حرق الحقل
مثال حي على التضحية والإيثار، فقد كان الشاب الفلاح يقف فوق هضبة عالية مشرفة على المحيط، يستنشق الهواء النقي، ويتأمل حقول الأرز الممتدّة تحت قدميه، وقد قارب وقت الحصاد، امتلأ قلب الشّابّ بالرضا، وها هو يقترب من تحقيق حلمه الكبير بالزواج، بعد أن يبيع محصوله.
غير أن شيئاً مباغتاً، أفزعه وأخرجه من أحلامه. فقد أحس ببوادر هزة أرضية خفيفة، وسرعان ما أدرك الشاب الذكي حجم الكارثة التي ستتعرض لها القرية الصغيرة الراقدة في أسفل الهضبة، والتي يسكنها فلاحون فقراء لا يملكون في الحياة، سوى أكواخهم المتواضعة.
لم يكن الوقت كافياً للنـزول إلى القرية لتحذير الناس. فصاح الفلاح من فوق الهضبة حتى كادت حنجرته تنفجر، لكن لم يسمعه أحد. وبعد لحظات من الحيرة والقلق، اتخذ الشاب قراراً حاسماً، فأشعل النار في حقله الصغير، ليثير انتباه الفلاحين في الوادي. ونجحت حيلة الشاب فقد تدافع الجميع صاعدين إلى أعلى الهضبة لإنقاذ الحقول، بينما هبط هو ليلاقيهم في منتصف الطريق، ثم يسارعون إلى التقاط أطفالهم وحاجاتهم القليلة، قبل اندفاع الماء إلى قريتهم.
لم يتزوج الشّابّ في تلك السنة، ولم يسدّ احتياجاته الضرورية، ولم يفّ ديونه، ولم يشتر فستاناً لأخته الصغيرة، ولم يأخذ أمّه العجوز إلى المدينة للعلاج والاستشفاء من الآم الروماتيزم! لكنه أنقذ أرواح قرية كاملة، وأصبح عمدتها لأنّه أثبت قدرته على تحمل المسؤولية.
منقول